أزمة هوية وانتماء.. زهران ممداني يواجه عنصرية تُهدد قيم الديمقراطية الأمريكية
أزمة هوية وانتماء.. زهران ممداني يواجه عنصرية تُهدد قيم الديمقراطية الأمريكية
في قلب سباق سياسي محتدم على منصب عمدة مدينة نيويورك، يخوض المرشح الديمقراطي زهران ممداني معركة مزدوجة انتخابية ضد خصومه السياسيين، وحقوقية ضد حملات تشويه تنضح بالعنصرية المقنّعة.
وقالت صحيفة “نيويورك تايمز” إن هذا الشاب الأمريكي، المسلم من أصول هندية وأوغندية، لا يمثل فقط جيلاً جديدًا من السياسيين ذوي الخلفيات المتعددة، بل يعيد تسليط الضوء على أزمة الهوية والانتماء والعدالة الاجتماعية في الولايات المتحدة، حيث يُواجَه الطامحون للتغيير بسيل من الانتقادات التي غالبًا ما ترتدي عباءة السياسة في حين تخفي في طياتها نظرة عرقية متجذرة.
ممداني، البالغ من العمر 33 عامًا، يتمتع بكاريزما قوية وبرنامج سياسي يساري يُعطي الأولوية للفقراء والطبقة العاملة، خلافًا للنهج التقليدي الذي يركز على "الطبقة المتوسطة".
وبينما يحاول بناء جسر بين الهامش والمركز، يجد نفسه محاصرًا بهجمات من كلا الحزبين، الجمهوري والديمقراطي، ومن لوبيات اقتصادية نافذة، أبرزها قطاع العقارات.
لكنّ الانتقادات الموجهة إليه تتجاوز الخلاف السياسي إلى الطعن في انتمائه وأصالته، وفق ما أشار إليه مقال الرأي الذي نشرته صحيفة نيويورك تايمز، والذي كشف أن بعض الهجمات تُحمّله "وزر" خلفيته العرقية والإثنية، وتُلوّح بفكرة أنه “ليس أمريكيا حقيقيا”، وهي نغمة عنصرية مألوفة سبق استخدامها ضد الرئيس السابق باراك أوباما.
الحقوق المدنية بين التمكين والتراجع
في عالم يُفترض فيه أن التنوع قوة، تساءلت الكاتبة تريسي ماكميلان كوتوم: لماذا يُجابه صوتٌ تقدميٌّ كصوت ممداني بهذا الكم من التشكيك؟
الجواب، بحسبها، يكمن فيما يُعرف بمصطلح "إعادة الإعمار البيضاء"، الذي يصف جهداً سياسياً وثقافياً لإعادة ترسيخ هيمنة العرق الأبيض، عبر إضعاف الفئات المستضعفة من الأقليات والفقراء والنساء.
هذا النهج لا يقتصر على المحافظين، بل يتسلل أيضًا إلى بعض الأوساط الليبرالية التي أسهمت في بناء مؤسسات دعمت صعود ممداني، لكنها الآن تنقلب عليه، كما لو كان خائنًا "لثقتهم" حين اختار أن يكون صوتًا لمن لا صوت لهم.
حرية التعبير وازدواجية المعايير
انتقادات طالت حتى الطريقة التي قدّم بها ممداني نفسه في طلب الالتحاق بجامعة كولومبيا، حيث أشارت بعض الجهات إلى اختياره "أمريكي من أصول إفريقية" كجزء من هويته المتعددة، في محاولة لتأليب الرأي العام ضده.
وفي ردّه، أكد ممداني أن هويته معقدة ومركبة ولا يمكن اختزالها في خانة واحدة، داعيًا إلى احترام حرية التعبير عن الذات دون اتهامات مبطّنة أو شكوك مُسيّسة.
قصة ممداني تمثل انعكاسًا مؤلمًا لحقيقة أن "الحلم الأمريكي" لا يزال غير متاح بالتساوي للجميع. فالشاب الذي شق طريقه عبر التعليم والعمل العام وخدمة مجتمعه، يُواجه اليوم نظرة تشكيكية لأنه لا يشبه الصورة النمطية لـ"المرشح المثالي"، أو لأنه يختار الدفاع عن المهمّشين بدلاً من الاستقرار في مربع الامتياز.
وفي النهاية، لا تتعلق معركة زهران ممداني بمقعد في بلدية نيويورك فحسب، بل تتصل بعمق بجوهر الديمقراطية الأمريكية، وبحق المواطنين من مختلف الأصول والألوان في المشاركة الكاملة دون تشكيك في وطنيتهم أو نواياهم.
ويسلط ما يتعرض له ممداني الضوء على الحاجة المُلحة لإعادة تعريف "الهوية الأمريكية" بما يعكس واقع التنوع، وليس بما يُرضي مراكز القوى التقليدية.